/ الفَائِدَةُ : (74) /

10/11/2025



بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / رجوع كَافَّة أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ في عَالَم الرَّجْعَة / إِنَّ كَافَّةَ الأَئمَّة الأثني عشر صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ـ منهم : الإِمام الحُجَّة بن الحسن (عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) ـ يرجعون في عَالَم الرَّجْعَة كرَّات ومرَّات ، لكنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكثرهم رجوعاً ، ويرجع جميعهم صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم إِلى الأَرض في عَالَم الرَّجعة في الدولة النهائيَّة والأَخيرة ، وهي دولة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وقبلها تكون دولة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وهي آخر دولة له صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، ربَّى وطوَّع البشريَّة لها كرَّات ومرَّات ؛ كيما تستأهل البشريَّة لأَعظم دولة يُقيمها صلوات اللَّـه عليه. والثابت في بيانات الوحي المستفيضة : أَنَّ البشريَّة لا تتأهل في دولة الإِمام المهدي (عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) لوجود سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، ومن ثَمَّ يأتي بعد الإِمام الحُجَّة سَيِّد الشُّهَدَاء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما ليقيم دولته ، فدولة الإِمام المهدي(عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) مُمهِّدَة لدولة سَيِّد الشُّهَدَاء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ولكمال عظيم ، ثُمَّ يأتي دور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ليُقيم دولته الأُولىٰ في الرجعة ، فدولة سيِّد الشهداء مُمَهِّدَة لدولة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما الأُولىٰ ، ومع كُلّ هذا لم تستأَهل البشريَّة بعدُ فاحتاج أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلى الرجوع كرَّات ومرَّات أَكثر من سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ على الإِطلاق ، وهذه عقيدة من ضروريَّات عقيدة الرجعة. إِذَنْ : البشريَّة لا تستأهل ـ أَي : ليست مؤهلة لـ ـ وجود سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، بل ولا لوجود سيِّدة النساء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها في عَالَم الرجعة إِلَّا في نهاياتها ، فلها صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها رجعة مع أَبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ في دولته الخاتمة والعظمىٰ. وهذا ما يُوَضِّح سر وفلسفة سرعة لحاقها بأبيها صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما بعد استشهاده ورحيله إِلى الرفيق الأَعلىٰ ، فلم تبقَ تحت ظل إِمامة أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ طويلاً ، فضلاً عن بقائها تحت ظل إِمامة الحسنين صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وصارت تحت ظل وهيمنة اللَّـه (تقدَّس ذكره) وأَبيها صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، فأَيُّ فيضٍ نبويّ هذا. وهذا ما يشير إِليه بيان رثاء أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعدما دفنها ونفض تراب قبرها من يده ، وهاج به الحزن والأَلم ، فدار طرف وجهه إِلى قبر سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وقال : « السَّلام عليكَ يا رسول اللَّـه عنِّي ، والسَّلام عليكَ عن ابنتك ، وزائرتكَ ، والبائتة في الثرىٰ ببقعتك ، والمختار اللَّـه لها سرعة اللحاق بكَ ... لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ... سرعان ما فُرِّق بيننا وإِلى اللَّـه أَشكو ... فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إِلى بثِّه سبيلاً ... » (1). وفي هذا البيان الوحيانيُّ محطَّات عظيمة وعجيبة ، وأَسرار لطيفة وبديعة دالَّة على مدىٰ عظمة شخصيَّة ومقامات فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها ، منها : 1ـ إِنَّ البشريَّة لا زالت بعدُ لم تستأهل طول بقائها ، كحال أَبيها صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما ، بل البشريَّة إِلى الآن لم تستأهل الإِمام الحُجَّة بن الحسن (عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) ، بل ولم تستأهل بقائهما صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما في دولة ظهوره (عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) ، ومن ثَمَّ يأتي دور سَيِّد الشُّهَدَاء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ودولته في عَالَم الرجعة ، فيكون دور الإِمام الحُجَّة بن الحسن (عَجَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَرَجَهُ) ودولته مُمهِّد لكمال أَعظم ، وهو : دور سَيِّد الشُّهَدَاء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ودولته ، ودور سَيِّد الشُّهَدَاء ودولته مُمَهِّد لكمال أَعظم ، وهو : دور أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ودولته ، ثُمَّ إِنَّ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لا تستأهل البشريَّة برجعةٍ وكرَّةٍ ، بل برجعات وكرَّات ، وهو أَكثر إِمام على الإِطلاق يعود إِلى النشأة الأَرضيَّة في عَالَم الرَّجعة (آخرة الدُّنيا) ويقيم فيها دولاً عديدة ؛ غايتها تطويع البشريَّة وتأهيلها وتربيتها مرَّات وكرَّات ؛ كيما تستأهل أَعظم دولة ـ بالقياس إلى سائر دول الأَئمَّة الإِثني عشرصَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِم في عَالَم الرجعة ـ يقيمها أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وهي آخر دولة له صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، المُمتدّ عمرها (44 أًلف سنة) ، قبل دولة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ الأَعظم على الإِطلاق. بعد الإِلتفات : أَنَّ الثابت في الدراسات البشريَّة المختلفة ـ الغربيَّة والشَّرقيّة والأَديانيَّة ـ : أَنَّ عمر البشريَّة من بداية نزول النَّبيّ آدم عَلَيْهِ السَّلاَمُ إلى عصرنا هذا لم يمضِ عليها أَكثر من عشرة آلاف سنة. ثُمَّ إِنَّه تظهر في عَالَم الرجعة مقامات عظيمة لأَمِير الْمُؤْمِنِينَ وسائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، نعم في عَالَم القيامة تظهر مقامات أَعظم لسَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، وهذا يعني : أَنَّ كمالات ومقامات أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ مُمَهِّدَة لظهور كمالات ومقامات سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. 2ـ إِنَّ فاطمة الزهراء صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْها يجب أَنْ تبقىٰ تحت هيمنة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ، لا تحت هيمنة أَحدٍ من سائر أَهْل الْبَيْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وخطرها ضجَّت المدينة المنوَّرة يوم استشهادها ؛ كيوم استشهاد سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ لأَنَّ هذا النور النَّبويّ العظيم خفت في الكون في ذلك اليوم من ظاهر عَالَم النشأة الأَرضيَّة. وهذا ما يُشِير إِليه بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بقوله : « فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إِلى بثِّه سبيلاً » ؛ فإِنَّه برهانٌ وحيانيٌّ دالٌّ على أَنَّه لم يكن هناك كهف للزهراء غير أَبيها صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِما وعلى آلهما . وهذه ليس قضيَّة عاطفة ، وإِنَّما بيان لمقام إِلٰهيّ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الأَطْهَارِ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) بحار الأَنوار ، 43 : 193/ح21